Suite

انطلاق المقاومة وعمليات جيش التحرير في بني يزناسن

تقديم :

الشعب الذي تغتصب أرضه... لابد أن يأتي رد فعله جارفا... فعندما تأخذ مني حقي... فهل يبقى عندي بعد ذلك ما أحتفظ به لمعنى السلام أو لمعنى التريث.

لقد ثبت أن الحركة الوطنية السياسية المسالمة قد فشلت في تحقيق الاستقلال خاصة بعد تهديدات الجنرال أوغستان كيوم Augustin Guillaum  بخلع محمد الخامس وتنصيب ابن عرفة محله فتفجرت مواجهة شعبية تلقائية لإيقاف المؤامرة وعمت كل المدن المغربية تقريبا ، وقد سبق الإقليم الشرقي باقي مدن المغرب في التعبير عن موقفه الاحتجاجي فانطلقت في مدينة وجدة مظاهرة عارمة يوم 16 غشت 1953 وخرجت الى الشوارع لتشتبك بقوات الشرطة وفرق الكوم وأسفرت المواجهات عن سقوط عدد من القتلى وأعقبتها في الغد مظاهرة في بركان وتافوغالت والتي تقرر أن تكون سلمية بعد الأحداث الدموية في وجدة فكانت حكمة بالغة من البركانيين حين حولوا المظاهرة الدموية الى مسيرة سلمية تسببت في استمرارية الثورة حتى النهاية.

وقد تميزت مرحلة ما بعد غشت 1953 بانطلاق المقاومة المسلحة وشهدت الفترة القيام بتصفية عدد من الخونة والعملاء أولا ، لتتجه ثانيا نحو ضرب أهداف الفرنسيين من ثكنات عسكرية ومزارع ومصالح... فقد كتب الكاتب البلجيكي ستيفان برنار Stephan Bernard في بحثه المغرب 1943-1956 "إن الغارات الإرهابية الأولى يرجع عهدها الى أغسطس 1953 بحيث لم تكن هناك فترة هادئة بين خلع السلطان ونشوب الإرهاب بالمعنى الصحيح" . وكان للعمليات التي شهدتها فترة المقاومة أن زعزعت العدو وفي ظرف لم يتعد 25 شهرا من تطبيق أسلوب حرب العصابات تأسس جيش التحرير في فاتح أكتوبر 1955 .

وقبل أن تنطلق هجومات جيش التحرير سبقتها أعمال فدائية متفرقة كان قد مهد لها أعضاء حرب الاستقلال بمظاهرة 17 غشت وما تبعها من هجرة لبعض العناصر في اتجاه المنطقة الشمالية في محاولة للبحث عن السلاح.

بداية التفكير في استعمال السلاح

إذا كان العمل المسلح قد تأخر اللجوء إليه حتى فشلت الأساليب السلمية والحوار المباشر مع الإدارة الفرنسية ، ولم يتم التفكير في استعمال العنف حتى تأكد عزم فرنسا على خلع السلطان وتولية ابن عرفة فإن قبائل بني يزناسن هم أول من قام بعمليات الفداء قبل سائر أقاليم المغرب ولم تنتظر حتى تنفذ فرنسا عزمها بل سبقت ذلك بأيام

لقد بدأت تصفية بعض العناصر العميلة وكذا بعض الفرنسيين مبكرا ، ففي سنة 1951 وقعت بتافوغالت عملية اغتيال الخائن متعاون نفذها محمد رحال وتمت عملية إحراق شاحنة في ملك متعاون بالأكرابة  العليا ببركان كما قام الفدائيون باغتيال أحد المخبرين بناحية الركادة قام بتنفيذها محمد لزعر وحكم على المتهمين في عملية تافوغالت والرقادة ب 20 سنة سجنا مع الأعمال الشاقة .

ومع التهديدات السافرة للمقيم العام جوان الذي سعى لفك الرباط القائم بين الملك وأعضاء الحركة الوطنية وقعت عدة اتصالات لتنظيم المقاومة المسلحة. فقد قدم الى ابركان بعد أيام قليلة من الاحتفال بعيد العرش لسنة 1952 شاب من مدينة الدار البيضاء ، ضمن فرقة رياضية لكرة السلة تابعة لشركة التبغ قصد إجراء مقابلة مع فرقة مدينة بركان وبمبادرة من هذا الشاب وبتفويض من برشيد بلحاج المصطفى البكاوي تم تنظيم اجتماع بدار بن سعيد أحمد السراج والسرغوشني عبد الرحمان تحت مسؤولية امحمد معي الصفراوي وحضره كل من مركوم أحمد ، المهداوي ادريس ، احميدة بنعيسى وبنطيبة الحسين ، وأثناء هذا الاجتماع تمت دراسة اقتراح تقدم به الشاب البيضاوي يقضي بتنظيم عملية لجلب الأسلحة من المنطقة الشمالية ونقلها للدار البيضاء. وأكد المجتمعون ضرورة معاودة الاتصال للأعداد للخطة بصورة نهائية لكن الشاب لم يعد ولم نعرف الأسباب عن ذلك وربما بسبب الحوادث التي شهدتها مدينة الدار البيضاء.

ومع التهديدات الفرنسية واشتداد الأزمة قامت مكاتب فروع الحزب في أبركان وتافوغالت والركادة وأحفير ومداغ بتعزيز نظامها وكثفت من اتصالاتها وزادت من وثيرة العمل الوطني كتوزيع المناشر وإلصاقها على الجدران وأحدثت مكاتب احتياطية لتباشر العمل في حالة اعتقال الأعضاء الأولين .

2-الاستعداد للثورة في حالة الاعتداء على الملك .

لقد صدرت الأوامر لمكتب فرع  الحزب  بابركان وكل بني يزناسن بواسطة محمد اجحبرة ومحمد بن المقدم الورطاسي اللذان انتقلا الى ابركان واجتمعا ممثلي الفرع بدار الأرقم في يوم 11 غشت 1953 وتمت دراسة الأوامر الصادرة عن الحزب والتي أصبحت بمثابة وثيقة تضمنت ما يلي :

·        تجديد يمين الاخلاص للحزب من أجل التضحية والفداء .

·        العمل على حل الجماعات وتعويضها بخلايا من 5 أفراد للفداء والمقاومة .

·        في حالة خلع السلطان يجب القيام بالثورة المسلحة .

·        عدم انتظار الأوامر من أية جهة إذا خلع الملك .

وتم إبلاغ تلك الأوامر الى مكتب فرع الركادة ومداغ وتافوغالت وأرسلت الى أحفير مكتوبة بخط يد امحمد معي الصفراوي بواسطة عبد الكريم البوسعيدي المعروف بالسكليست . ووقع العثور عليها من طرف الشرطة الفرنسية . فأقامت وأقعدت جهاز البحث البوليسي والعسكري لخطورة محتواها وتعرض للاستنطاق بشأنها مرتين بسجن العاذر بواسطة ثلاثة ضباط كا من امحمد جلول

 وكذا محمد حجيرة ومحمد بن المقدم الورطاسي وكانت كوثيقة في ملف محاكمة الوجديين المشاركين في ثورة 16 غشت بالمحكمة العسكرية بوجدة .

وتنفيذا لهذه الأوامر حرص المسؤولون على تجميع الجماعات الحزبية في اجتماع طارئ في كل مناطق بني يزناسن لأداء قسم التضحية والعمل على تطبيق الأوامر الصادرة . وبدأ الناس برفع البرقيات وتوجيه العرائض وقراءة اللطيف والكتابة على الجدران وتوزيع المناشير ، ومن جملة ما جاء في هذه المناشير العبارات التالية :

·        أيها المواطن  كن يقضا حذرا ، واستعد للتضحية والفداء .

·        أيها الشعب المغربي النبيل جد بدمك فداء لعرشك ووطنك .

·        الحذر الحذر الملك والوطن في خطر .

وكانت حينذاك مدينة ابركان يسكنها حوالي الف اوروبي في حين كان عدد المغاربة يقدر ب 15 الف عدا الذين سيلتحقون من كل النواحي للمشاركة في المظاهرة . وكان باستطاعة هذا العدد أن يسحق كل الأوروبيين ، لكن تم التخوف من رد فعل عنيف من الإدارة الفرنسية التي يمكنها ان تنتقم وتطحن آلاف المواطنين مما سيمثل خسارة للوطن لذا فقد تقرر :

1-     أن تكون المظاهرة سلمية .

2-     تهيئة منزل جلول الوكلاني لاستبال الجرحى والموتى في حالة تطور المظاهرة السلمية إلى مواجهات عنيفة .

3-     إرسال طائفة من المواطنين الى مدينة زايو الشمالية لشراء السلاح .

وفعلا قد وقع الاختيار على صالح شطو وبوزيان اعمارة وعبد السلام مبارك وعبد الله الوريمشي ومحمد الوونوتي ومحمد التميمي ومحمد قراط للتنقل بشأن البحث عن السلاح في المنطقة الشمالية كما قام مجموعة من الاستقلاليين المجاورين لحدود المنطقة الشمالية باقتناء الأسلحة وجلبها استعدادا للمعركة وكانت مهمة هذه  المجموعات سهلة نظرا للروابط القائمة بين مسيري حزب الاستقلال وحزب الاصلاح ، فكان عدد من الأفراد مزودين بمختلف الأسلحة بين مسدسات وقنابل ورشاشات في انتظار ساعة المواجهة .

1- صدور الأوامر بالثورة

كانت الاتصالات مستمرة بين فرع وجدة ومكاتب بني يزناسن لمعرفة ما جد من أخبار حتى يوم 16 غشت حيث توجه امحمد  معي الى وجدة لاستكشاف الأخبار و معرفة الأوامر الجديدة فالتقى بعمرو الورطاسي الدي كان على أهبة السفر الى أبركان لابلاغ المسؤولين هناك بقرار الثورة كما التقى بعبد الصادق القادري الجي أكد له قرار تنظيم ثورة دامية مساء يومه الأحد على الساعة السادسة مساء فبادر امحمد معي بالعودة الى بركان و في طريقه مر بأحفير و أبلغ مسؤول الفرع هناك ادريس لهبيل بقرار فرع وجدة .

و في ابركان عند اجتماع طارئ بمنزل جلول الوكلاني حضره أعضاء المكتب و أهم المسيرين و اتخدت عدة قرارات منها :

*تنظيم  مسيرة ثورية صباح يوم الاثنين 17 غشت في أبركان و تافوغالت .

*دفع مالية الحزب لشراء السلاح

كما بدأ المراسلون يتوجهون للنواحي قصد الاخبار و من الذين أنيطت بهم هذه المهمة.مركوم مبارك الذي أرسل الى تافغالت لكنه لم يتمكن من دخولها نظرا للحصار الذي كان مضروبات عليها ، فلم يسعه الا أن يبعث بالوصية مع أحد السائقين الذين رافقه ليوصلها بدوره الى أحد المسؤولين هناك و هو سعيد المش القاضية بتنظيم المظاهرة على الساعة الثامنة من صباح يوم الاثنين 17 غشت .

و في نواحي الرقادة و مداغ يروي عبد الباقي العروسي أنه يوم 16 غشت تم عقد اجتماع بمنزل محمد بن بوزيان العثماني قرب مدشر *اغزر وشريك* و حضره حوالي 40 شخصا ترأسه أبو خالد ميمون بن الحسن الوكوتي و أدى المجتمعون يمين الاخـلاص و التضحية و أعطيت الأوامر التالية :

·        فرع الحزب بالرقادة يدخل عبر المنزل .

·        فرع الحزب بمداغ يدخل عبر السعيدية .

·        أما قبيلتي بن عتيق  و بني وريمش فعبر طريق ملوية ، و عقدت اجتماعات أخرى في الرقادة لنفس الغرض ، وبذلك وصل الخبر بالثورة الى أغلب النواحي و في صباح.

2- ثورة 17 غشت بابركان :

في السادسة  من مساء يوم الأحد 16 غشت قامت مظاهرة عنيفة بوجدة بمشاركة رجال الكوم والرماة .................. أسفرت عن عدد من القتلى واعتقال جماعات واسعة من الاستقلاليين ، لكن مدينة أبركان لم تمتثل لأوامر فرع وجدة لتقوم بالثورة في اليوم نفسه بسبب تأخر وصول الخبر فأجلت الى صباح يوم 17 غشت حيث لم يكن الوقت كافيا لإبلاغ الأوامر لكافة الجهات .

وفي صباح يوم الإثنين أصبحت أبركان في حالة هيجان إذ جاءتها الحشود من كل الجهات ، من مداغ واتريفة والسعيدية ومن بني منقوش وبني وريمش وبني عتيق . والتحق من مشرع حمادي حوالي 500 فرد حاملين معهم الأسلحة من البيضاء خاصة أدوات العمل . إذ كانت في تلك الفترة الأعمال جارية لبناء سد مشرع حمادي بل لقد جاءت طائفة من قبيلة كبدانة وحملوا معهم صناديق من القنابل تركت في إحدى مزارع الفرنسيين قريبا من أبركان .

ولقد لوحظ منذ الصباح الباكر في هذا اليوم تحركات مكثفة للقائد المنصوري رفقة جماعة من أعوانه وهو ينتقل بين الطرقات  المؤدية الى ابركان في محاولة لمنع الناس من الوصول لكن دون جدوى ، وبدت ابركان كأنها محجا ووجهات كل الناس نحوها .

فقد انطلقت الجماهير من الرقادة وما جاورها قاصدة ابركان ، وبالمنزل قرب مسجد مولاي إدريس أعطيت الأوامر بترك الخناجر والشواقر وكل الأسلحة البيضاء لأن المظاهرة تقرر أن تكون سلمية ، لكن رغم ذلك احتفظت الجماهير بأسلحتها ودخلت أبركان

 حيث استقبلت بالزغاريد والهتاف وكانت النساء تحمل أواني الماء كما حملت معجون الحناء لرشه على المتظاهرين ، ومن عجيب الأمر أن الأوربيين في ذلك اليوم قد غابوا عن المدينة حيث اختبأوا عند المعمر جالو وسدوا الأبواب على أنفسهم كما اختفى كل من شعر بشبهة نحوه .

والتفت جماهير ابركان بكل أبناء المناطق المجاورة ليجوبوا شوارع المدينة ، فارتاع ابوير الذي كان على رأس مراقبة ابركان بالنيابة عن رامونة الذي كان متغيبا لقضاء رخصته السنوية ، وأمام تهديدات الجماهير التي عمدت الى كومة حطب كانت بملكية أحد الفرنسيين واتخذوها هراوات ، كما استعملوا قارورات الغاز لم يسع ابوير إلا أن يهتف عاش محمد الخامس ، عاش بنو يزناسن وغيرها من الشعارات التي حملها المتظاهرون . وفي تلك الأثناء حضرت من وجدة قوة عسكرية متكونة من الدبابات والمصفحات خوفا من حدوث أعمال عنف كما حصل في وجدة . وكان رئيس الفرقة ألمانيا . لذا بمجرد فهمه للحقيقة عاهد الاستقلاليين بعدم استعمال السلاح .

ولم يستعمل السلاح في ذلك اليوم رغم كون مجموعة من الاستقلاليين كانت بضواحي المدينة تنتظر الاشارة للتدخل بالسلاح ، وبعد تفويض المتظاهرين لأحمد السرجات للتفاوض مع المراقب الذي تعاهد معهم على عدم استعمال السلاح انصرفت الجماهير ، ولم تسجل من حادثة اعتداء ، أو قتل سوى مقتل أحد المغاربة العاملين ضمن القوات الفرنسية وهو محمد الشبابي من طرف جندي فرنسي لشكه في إخلاصه لفرنسا وتعاونه مع المواطنين .

3- مظاهرة 17 غشت بتافوغالت 

لم تختلف الترتيبات لهذه المظاهرة عما حضر له في أبركان مع فارق حتمته طبيعة المنطقة الجبلية وقد وصلها الأمر بالثورة السلمية بواسطة مركوم مبارك ، وصباح يوم الاثنين 17 غشت انحدرت الجماهير من سفوح الجبال والهضاب العليا المحيطة بالقرية  قاصدة مقر القيادة وكان المراقب كانت قد فر منه خوفا من تحول المظاهرة السلمية الى أعمال شغب وعنف ولم يبق في مكتب القيادة سوى بوعلام لشعل والشاوش لحسن وبعض أعضاء الفرقة المساعدة .

وتكونت الجماهير التي غصت بها القرية من قبائل بني نوكة وأولاد يحيى وأولاد قنين الذين حملوا معهم الأسلحة البيضاء والهراوات وأدوات العمل التي اعتادوا استعمالها في أعمالهم المختلفة واجتمعت الجموع حوالي الساعة العاشرة صباحا عند شجرة . وجينها ظهر المراقب ومعه  القائد  لمحاورة المتظاهرين .

وقدم المراقب التحية للجماهير مرددا السلام أكثر من عشر مرات وهي تصيح يحيا محمد الخامس هذه العبارة التي رددها المراقب وطلب 10 أفراد للحوار والذين أكدوا له عزم كل القبائل على المواجهة حتى الموت في سبيل الملك . وبعد طمأنتهم وإعطائهم الضمانات الضرورية انصرفت هذه الجموع لتظهر في المساء جماهير أخرى من قبيلة بني موسى وفي صباح يوم الثلاثاء 18 غشت التحقت بتافغالت جماهير قبيلة اولاد عمرو لتعبر بدورها عن رفضها للمس بالملك .

4- صدى مظاهرة 17 غشت بقبائل بني يزناسن

لقد اختلف في تحديد عدد المتظاهرين في ثورة 17 غشت بابركان فحسب إذاعة باريس آنذاك وصل العدد الى 40 ألف فعدت بذلك أكبر مظاهرة عرفها المغرب وبلغ صداها أنحاء العالم حيث تناقلتها وكالات الأنباء العالمية ، وتحدثت عنها مجموعة من الصحف في الخارج ووصفتها إذاعات لندن وباريس وصوت العرب حيث ذكر اسم اركان وبني يزناسن . كما يورد امحمد معي الصفراوي نسبة 40 ألف مشارك في المظاهرة في مجموعة من المقالات الصحفية بجريدة العلم في حين لم يذكر الأستاذ ناجم مهلة في معرض حديثه عن مظاهرة 17 غشت بابركان في محاضرته التي شارك بها في ندوة المقاومة بالمغرب الشرقي سوى عدد 10 آلاف متظاهر . وهذا الرقم يبدو أقرب الى التصديق من الرقم الأول باعتبار هذا الأخير رقم مبالغ فيه على أساس أنه ربما كان يمثل كل ساكنة المنطقة عموما . مهما كان الرقم مختلف حوله فقد تجاوز صداه الحدود ، ومن القاهرة وجه علال الفاسي نداء لليزناسنيين عبر صوت العرب حيث سمع في الخطاب ذكره "يا بني يتاسن" وناشد بضرورة زيادة العمل وتصعيد وثيرته . واستمع عشرات الشخاص لهذا النداء عبر الراديو رغم رداءة الإرسال إذ كانت فرنسا قد عمدت الى التشويش على الموجة .

لقد كان بنو يزناسن حكماء حينما حولوا أوامر الثورة الدامية الى مظاهرة سلمية ليحتفظوا بالعناصر المدبرة للقيام بعمل إيجابي ، ورغم مرور هذه المظاهرة في جو سلمي ولم تكن من مواجهات تذكر فقد إعلان اليزناسنيين للثورة تعبيرا عن رفضهم لنفي محمد الخامس سببا مقنعا كي تقوم السلطات الفرنسية بعملية انتقامية ضدهم .

III / انتقام الفرنسيين من بني يزناسن .

إذا كانت ثورة 17 غشت في أبركان وتافغالت قد مرت في جو سلمي حيث لم تسجل من مواجهة بين الفرنسيين والمتظاهرين رغم أن ثورة 16 غشت بوجدة قد خلفت عددا من الضحايا بعد المواجهة الدامية ، ففي مدينة بركان لم تسجل من مواجهة سوى مقتل محمد الشبابي من قبل احد الجنود الفرنسيين وكان مخزنيا عاملا معهم ، فقد شهدت الأيام التالية قيام الفرمسيين بحملات اعتقال مسعورة شملت عددا من أطر حزب الاستقلال صاحبتها اعتداءات على الأشخاص والممتلكات فقد وقعت كارثة لا يمكن وصفها وهي كارثة نهب وهتك للحرمات ونزع خيرات البلاد .

1- في تافغالت وضواحيها

مباشرة بعد ثورة 17 غشت تعرضت المنطقة لعمليات سلب وتنكيل واعتقال لطائفة كبيرة من الوطنيين شملت خاصة رؤساء الجماعات والأمناء والكتاب وحكم على أغلبهم بسنتين سجنا مع النفي ودفع غرامات مالية ، ووصل للمنطقة فيلق من الجيش قادما من الجزائر وقد أوهم باستقدامه بدعوى مجابهم الاسبان الذين اعتدوا على ممتلكات فرنسا في المغرب إلا أنهم بعد اكتشافهم للحقيقة التي استقدموا من أجلها ، أعلنوا عصيانهم وعزمهم على عدم القيام باية عملية ضد قبائل الناحية وحينئذ قامت القيادة بتجريدهم من السلاح فلم يترك للجندي سوى خرطوشا واحدا من الرصاص ، وتم الاتيان بجنود اللفيف الأجنبي وإعادة الفيلق الأول الى الجزائر .

لقد عمد الفرنسيون الى سلب القبائل بجنون انتقاما من موقفها البطولي اتجاه الاعتداء على الملك وما بدا منها من رغبة  في مواجهة المستعمر ، وقد بدات عملية السلب والنهب في كل من بني نوكة واولاد قنين وخلال يومين تم حمل 19 زربية من بين 150 اعيدت لأصحابها بسبب تقادمها اضافة للدجاج والغنم وقام الجنود بعملية تفتيش لمطامر الحبوب حيث اخردت محتوياتها من الشعير والقمح ، واستولوا على الأثاث والأفرشة مما خلق جوا من الرعب في كل الدواوير إذ هرعت النساء للهرب بعيدا نحو المناطق الآمنة ، وفي بني موسى والتي أبطلت القوات الفرنسية في الوصول اليها بسبب الرياح القوية التي اجتاحت المنطقة وارعبت العسكر فقد عسكروا في وادي سيدي حركات وهو المكان التي تمت فيه مصادرة رؤوس الأبقار التي نفرت من كثرتها مما حال دون مصادرتها ، وعوضا عنها فرض على أهل المنطقة تقديم دجاجة وخبز لكل جندي كما استولوا على مجموعة من كبيرة ، فجمعت كل المسلوبات لتوجه الى وجدة وحين عاد الجيش الذي كان مرابطا في تافغالت دون غنيمة جن جنون المراقب وأمر هاتفيا بتوقيف الشاحنة وإعادة ما صودر الى أهله .

2- في ابركان والجهات القريبة

لقد مر يوم المظاهرة في جو سلمي ولم تحرك القوات الفرنسية ساكنا غم وصول قوة عسكرية من وجدة ، فلم يسجل عليها في ذلك اليوم من رد فعل ضد المتظاهرين خاصة ، وأنهم قد التزموا الهدوء وامتثلوا للأوامر القاضية بسلمية المظاهرة ، سوى ما كان من مقتل لمحمد الشبابي ، لكن ذلك الصمت من قبل الفرنسيين كان بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة ، فقد تعرضت ابركان وكل القبائل المجاورة لتعسفات وحشية قام بها جيش الاحتلال الذي أقدم على تخريب ونهب الماشية والأمتعة .

لقد تم استقدام الجنود السنغاليين المعروفين بشراستهم لتبدا عمليات السلب والنهب فاستولوا على كل ما يمكن سلبه من مواشي وحبوب وأفرشة وحلي النساء . وبشان اعتقالات الأشخاص فقد كانت تبعث لهم الاستدعاءات عن طريق الكواتية والشيوخ والمقدمين للالتحاق بمراكز الشرطة ، كما تم تجمع مئات من المعتقلين من كافة المناطق المجاورة ونقلوا الى ابركان في شاحنات وتم إنزالهم كما تفرغ الرمال والأحجار دون مراعاة لأدنى المشاعر الانسانية .

وقد امر القائد المنصوري بإحالة المعتقلين على السجن المدني بابركان ، وصادف هذه الاعتقالات خروج عدد من السجناء بسبب إحداث مظاهرة التضامن مع التونسي فاستقبلوا بسجن تاوريرت وهناك أضيفت لهم أحكام  إضافية ، وكان للقائد المنصوري دور في ذلك حيث رفض إطلاق سراحهم وقال للمراقب رامونة : * نحن لم ننته بعد بإخماد النار وأنت تريد إلقاء النفط عليها *

وبسجن ابركان وحده وصل عدد المعتقلين الى حوالي 800 شخص اودعوا في غرف ضيقة لا يكاد يصلها النور والهواء حتى كاد الناس يختنقون من شدة الحر ، خصوصا وقد كان الفصل صيفا وتركوا دون محاكمة حتى مرور عدد من الأيام وبدات الاستنطاقات وكانت في اغلبها مصحوبة بالتعذيب الوحشي الذي تعددت أساليبه حسب خطورة الشخص ومدى تجاوبه مع الاستنطاق ، ورغم الاتفاق على عدم البوح باسرار الجماعات او إعطاء أسماء عدد من العاملين في الحقل الوطني والذين ظلوا حتى تلك الفترة خارج السجن حتى تم أحيانا إعتقال جماعات باكملها .ولكثرة الشخاص الذين قدموا للمحاكمة ، فقد ارهق الفرنسيون لذلك بدأوا  في إصدار أحكام دون النظر أحيانا الى خطورة الشخص وحجم نشاطه ، وفي الغالب تراوحت المحاكمات ما بين السنة والسنتين وأكثر بالنسبة للمسؤولين عن الخلايا ورؤساء الجماعات ، او الذين اعترفوا بحيازتهم للأسلحة ، ونقلوا الى سجون العاذر : أغبالونكردوس وعين مومن ، ولم يفرج على معظمهم حتى فجر الاستقلال ، ولم ترد عن بضع شهور للأشخاص العاديين والتي قضوها في سجن أبركان (لازاري) .

وقد صادف نفي محمد الخامس حلول موعد الاحتفالات بعيد الأضحى المبارك فكيف كان احتفال بني يزناسن بهذه المناسبة ؟

3- عيد الأضحى الحزين في بني يزناسن 

تزامن نفي محمد الخامس مع حلول ذكرى عيد الأضحى المبارك إلا أن هذه الذكرى حلت حزينة على الناس فلم يستقبلوها كسابق احتفائهم بمثل هذا العيد ، حيث كان الوطنيون منذ وصول أخبار تؤكد عزم الادارة الفرنسية على نفي محمد الخامس قاموا بتوزيع المناشر وإصدار الأوامر بعدم ذبح الأضحيات كتعبير عن الاحتجاج على المس بشخص الملك وهو الأمر الذي انصاع له الكثير عدا طائفة لم تستطع لخوف من رد فعل المستعمرين وفضح وطنيتهم ، أو بسبب تعاونهم مع سلطات الحماية الفرنسية ، وحتى تكتشف الوطنيين ومدى التفاف الناس حول الحركة الوطنية ورد فعلهم امام نفي محمد الخامس ، لجأت السلطات الفرنية بالمنطقة الى خطة لا تخلو من مكر طالبت القواد والمخازنية العاملين معها بالطواف على المداشر والقرى وكذا في المدن لجمع جلود الأضاحي وتقييد دافعيها حتى يسهل عليها معرفة الممتنعين .

وإذا كان الامتناع عند ذبح الأضحيات قد طبق بوثيرة مرتفعة عند جماعات كثيرة خاصة في ابركان والنواحي ففي مناطق أخرى ونظرا لوجود قلة قليلة من الوطنيين والعاطفين عليهم ، فقد مر العيد عاديا غير ما كانت تخفيه النفوس من تحسر وأسف على ما حل بالملك والأسرة الملكية ، وبدا ذلك واضحا في مدينة أحفير وكان تكتيكا ذكيا من قادة الحركة لوطنية هناك ، إذ أصدروا الأوامر بالاحتفال بالعيد بشكل عادي كما في السابق لما لاحظوا أن نصف  سكان المدينة كانوا من الجزائريين والباقي كانت ضمنه ثلثة قليلة من الوطنيين ، فخافوا من افتضاح أمرهم وإثارة الشكوك حولهم .

وبذلك لم تتناسب الاحتفالات مع هذه الذكرى وزاد من خوف الناس ما أعقب ثورة غشت بابركان وبني يزناسن من حملة اعتقالات واسعة شملت مئات الأشخاص ، وبقي من أفلت من قبضة السلطات الاستعمارية معتصما بالمناطق الآمنة في حين فر عدد من الأشخاص الى المنطقة الشمالية ليقودوا الكفاح من هناك خاصة وأن السلطات الإسبانية كانت تتغاضى عن تصرفاتهم بسبب موقفها المناهض لسياسة فرنسا بعد إقدامها على نفي محمد الخامس دون مشاورة مع اسبانيا .

الموقف الاسباني من نفي محمد الخامس

إن نفي محمد الخامس قد تم بتدبير من الاقامة العامة الفرنسية بالمغرب دون استشارة مع الاسبان بوصفهم يحتلون الجزء الشمالي من البلاد وبالتالي كان آلاف المغاربة القاطنين بالمنطقة الشمالية يقدمون ولاءهم لمحمد الخامس ، وهذا ما جعل الإسبان يقفون موقفا عدائيا من السياسة الفرنسية بعد إقدامها على هذا العمل فقد رفع المندوب السامي الإسباني رافئيل غارسيا فالينو Rafail Garcia Valino بعد ستة أيام من نفي محمد الخامس احتجاجا سلم للمقيم العام الفرنسي بالمغرب الجنرال كيوم لأن استشارة إسبانيا لم تتم في هذا الشأن .  

كما حضرت السلطات الاسبانية في 18 نوفمبر 1953 في مناسبة عمومية للتنديد بسياسة فرنسا، و في 25 من نفس الشهر صرح فالينو لجريدة (أ.ب.س) أن الاجراء الذي اتخذ في المغرب الفرنسي خطير لأن جزءا كبيرا من سكان المغرب يعتبر نفسه معتدى عليه، و في 20 يناير 1954 جمعت السلطات الاسبانية نحو 500 قائد و باشا، و نظمت استعراضا جماهيريا ضم 25000 مغربي في شوارع تطوان أمام المندوبية السامية الاسبانية و بحضور المندوب السامي فالينو و ممثلي الأحزاب الوطنية في الشمال. و سلم القواد البشوات ملتمسا للمندوب يرفضون فيه سيادة ابن عرفة و يطالبون بانفصال مؤقت للمنطقة الشمالية.

و أمام هذا الموقف الاسباني المناهض للسياسة الفرنسية نستطيع أن نفهم الدعم الذي كانت تقدمه السلطات الاسبانية للمهاجرين المغلربة حيث آوتهم و تغاضت عن تحركاتهم مما مكنهم من التحرك بسلام.

5- المهاجرون في المنطقة الشمالية:

لقد مثلت المنطقة الشمالية المحتلة من طرف الاسبان ملجئا لكل أولئك الذين خافوا من بطش القوات الفرنية إبان ثورة 17 غشت و ما أعقبها من عملية اعتقالات واسعة شملت عددا من الأطر القيادية في حزب الاستقلال بمنطة بني يزناسن. فحين أحس الناجون بالخطر و أن القوات الفرنسية مسيرتها البحث عنهم و إلقاء القبض عليهم لم يكن أمامهم إلا الهجرة للمنطقة الشمالية للبحث عن وسيلة تمكنهم من مواصلة الكفاح. و من الأوائل الذين انطلوا للمنطقة اعمارة بوزيان أمين الجزب بأبركان.

و بعد اتصال اعمارة بعبد الخالق الطريس بتطوان عاد ليستقر بزايو، و كان قد نشر مقالا بخط يده و يحمل توقيعه بجريدة الأمة: "لكل من يبحث عن اعمارة بوزيان أو يريد اللقاء به فليتصل به في مدينة زايو « . و حين وصل الخبر إلى أعضاء حزب الاستقلال بأبركان و النواحي، انتهزوا الفرصة و ألصقوا به تهمة مسؤوليته الفردية على حفظ أموال الصناديق لأبعاد الخطر عليهم حين اعتقالهم. إلا أن اعمارة لم يكن قد أخذ من مالية. فقط كان ذلك بسبب تأكدهم من أن الخطر بعيد عنه و لا يمكن لسلطات الاسبانية أن تسلمه لفرنسا. و فعلا فحين التقائه بأحمد زياد في تطوان. أخبره بوجود قدر من المال يقدر 350000 فرنك كانت محفوظة تحت أرضية الكانون بمنزله في أبركان، و تم الاتفاق على إحضار المبلغ و قسمته إلى قسمين لشراء السلاح. نصف لوجدة و آخر لأبركان.

و مع تأكد الوطنيين بوجوده بزايو و أنه يتحرك بكل حرية. انطلقت مجموعة من الأفراد من جميع مناطق بني يزناسن و التحقوا به. و اتفقوا بالاجماع على جمع الأموال من أجل شراء السلاح و تشكيل العصابات ليبدأ العمل المسلح. و هؤلاء المهاجرون لم يقوموا بعمليات ضد الاسبان. رغم كون إسبانيا كانت تحتل جزءا هاما من الأراضي المغربية و لا تختلف في شيء عن فرنسا، و كان ذلك بسبب تعاونها مع المغاربة.  و إن كان لغرض في نفسها. فقد فتحت أراضيها للمهاجرين  و تحركوا هناك بحرية. و لم تضايقهم السلطات الاسبانية إلا نادرا. و لو لم يتمكنوا من الاقامة هناك، فربما كان العمل المسلح قد اتخد شكلا آخر و لواجهت المقاومين صعوبات أكثر. و بلغ من حد مساندة الاسبان للمغرب أن أحد المرسلين من قبل فرانكو حين التقائه في زايو بعد السلام مبارك في منزل أحد الكبدانيين و هو أحمد الدراز، أخبره بانشغال فرانكو بقضية المهاجرين. و ستخصص لهم إعانة مادية شهرية، و قد أمره بتقييد المهاجرين و عدد أفراد أسرهم و كذا مواطنهم الأصلية. و منح 30 بسيطة لشراء الدفاتر قصد التقييد.

و اتخد المهاجرون من نادي حزب الاصلاح مقر لللاقامة، و لبث البعض الآخر خارجه حيث تدبر كل واحد مهم أمر حياته بنفسه، و في البداية، كانت الهجرة صعبة. فقد كان الجوع و العراء، و أمام هذا الخطر الذي كان يهدد المهاجرون تجند عدد من الرجال لانقاذ الموقف.

لكن ما يلاحظ أن هؤلاء المهاجرون قد فروا للمنطقة لهدف واحد و هو العمل لإخراج البلاد من وضعيتها، لكن هذا الهدف النبيل قد استغله البعض لأهداف خاصة، إذ كانت تظهر من حين لآخر بعض الخلافات بين المهاجرين فحين قدوم عبد الله الصنهاجي و رفاقه الى الناظور و عينوا لهم مكتبا خاصا، و أخذوا يطالبون من المهاجرين تسجيل كل المعلومات المتعلقة بهم لم يرض ذلك بنعبد الله الوكوتي، لذا فقد جمع البركانيين و أخذ يحرضهم على عدم التعامل مع الصنهاجي بدعوى أنه من غرب المغرب. و لا يمكن لأجنبي عن المنطقة الشرقية أن يكون رئيسا على أبناء المنطقة. كما دب الانشقاق أيضا في طائفة الفجيجيين ففتحوا لهم ناديا خاصا بهم. و كان هلال بوبو بلحاج و عبد الرحمان يقومان بتأطيرهم.

و رغم هذا الانقسام فقد حفظ الله من عوقبه رغم أن الظرفية  تكن تسمح بهذه النظرة الاقليمية لأن الهدف واحد و لا يهم من يكون القائد. و لم يقصد المنطقة الشمالية الرجال فقط بل لقد التحق بالعديد منهم عائلاتهم بعد الشعور بالخوف من انتقام فرنسا منها. و وجدت هذه العائلات في أغلبها المأوى و الاستقبال من طرف العائلات الكبدانية و القلعية التي تأثرت غاية التأثر بالمهاجرين و قاسمتهم آلامهم و وقفت إلى جانبهم حتى أدن لهم بالعودة إلى ديارهم. و فعلا فقد كانوا: « ناس ملاح » أخيار الناس ».

و لم يكن هؤلاء المهاجرون ليمروا للمنطقة الشمالية بسهولة، فقد كان أمامهم قطع وادي ملوية الذي كان يمثل حدا فاصلا بين منطقة النفوذ الاسبانية و المنطقة الفرنسية. و كم كانت مهمة اجتياز الوادي صعبة، و تزداد هذه الصعوبة خاصة في أيام فصل الشتاء حيث يشتد البرد القارس و تكون مياه النهر قوية، لكثرة الأمطار، في وقت كان المستعمر يعمد الى فتح أنابيب السد عند كل مساء لتقوية مياه النهر حتى يعرقل العبور. كما كان ابرونيل حاكم الناحية قد عمل على اغلاق الحدود المطلة علة نهر ملوية، و الطريق التي تربط قنطرة ملوية بمركز زايو و تشديد الحصار على بني يزناسن. و أغلبية المهاجرين لم يتسن لهم قطع الوادي بمفردهم، بل لقد تهيأ السكان القريبون من النهر للقيام بهذه المهمة. و في هذا المجال كان بنعبد الله رابح يساعد الهاجرين في اجتياز الوادي و يرجع إليه الفضل في انقاد عدد كبير منهم بسبب معرفته بالوادي، و ما يحمله من مخاطر. و الى جانب هذا الرجل وجد كثيرون كلهم ساهموا في انقاد أرواح المهاجرين منهم عمرو الجباح الذي قام بمساعدة عبد الخالق العربي و محمد الصباني على قطع الوادي.  و كذلك محمد بولبزار و المدني عبد السلام. و ليخففوا على الذين يخافون اجتياز النهر لعلو مياهه، كانوا يقولون لهم: « من الخير لهم أن يغرقوا في ملوية و يكون ذلك أهون من الوقوع في أيدي القوات الفرنسية"

و بعد إيجاد المأوى و تجمع الرجال في الشمال الذي وجدوا فيه الحرية في التحرك، لم يبق أمامهم إلا البحث عن السلاح و توجيهه لإخوانهم بالمنطقة الفرنسية، و ستشهد الأيام القليلة بعد الهجرة عملا متواصلا من طرف العناصر الهاربة للحصول على قطع من السلاح كيفما كان نوعها.

6- البحث عن السلاح بعد ثورة غشت

مباشرة بعد نفي محمد الخامس بدأ البحث عن السلاح. و قد لجأ المقاومون الذين ظلوا بالمنطقة الفرنسية سواء الذين لم يشملهم الاعتقال أو الذين قضوا مدتهم القصيرة ثم أفرج عنهم الى الاتصال بأولئك الذين قصدوا المنطقة الشمالية بشأن البحث عن السلاح حيث كان يسهل على هؤلاء التحرك بكل حرية و العثور على بعض أنواع السلاح. و في هذا الصدد، وبعد هرب اعمارة بوزيان و التحاق عبد القادر الغرافي به. كان المقاومون يرسلون لهذين الرجلين بأموال لشراء السلاح، لكن الاثنين قد تأخرا في تنفيذ الأمر في وقت كان بنعبد الله رابح، قد زود المقاومين بمسدسين أخرجهما من المنطقة الشمالية، و كان العمل جاريا بالمسدسين، فكانا ينقلان من منطقة لأخرى و يسلمان لفريق مدة معينة ثم يرجعان سواء نفدت بهما أية عملية أم لم تنفذ حتى يشمل العمل المسلح كل المنطقة.

إن مقاومي بني يزناسن، لم يلجأوا الى الشمال بهدف الخلود للراحة و النفذ بجلودهم، بل لقد هاجروا بعد أن رأوا أن في بقائهم خطرا على حياتهم التي ستشكل خسارة في حالة وقوعهم في يد الفرنسيين. لذا قد كانت الهجرة خيرا لعدد من الوطنيين الذين ظلوا في مواطنهم، فقد كان من السهل على المهاجرين التحرك بسلام في الشمال إذ كانت السلطات الاسبانية تتغافل عن نشاطهم رغم علمها ببعثهم عن السلاح لحقدها الدفين تجاه فرنسا و لالتزام المهاجرين بالهدوء و احتفاظهم بشروط اللجوء السياسي. و هكذا فقد تمكن هؤلاء المهاجرين من الحصول على كمية من السلاح و بعثوا بها لإخوانهم الذين بدورهم نفذوا بها عددا من العمليات سواء ضد المتعاونين أو المعمرين. و من الذين ساهموا في العثور على السلاح. نجد عبد السلام مبارك و الذي ساعدته تجارته في زايو على تحقيق أرباح، استغلها في شراء السلاح، فقام بشراء خماسيتين: الأولى من زايو و قد أوصلها مخبأة في البطاطا الى الحدود ليتكلف شخص آخر بايصالها لمقاومي بركان.

أما الثانية فقد اشتراها من مليلية و أخدت الى الناظور عند بنعبد الله الوكوتي و تم تكليف لمنور الجبلي لإخراجها من الناظور و قد اكتى أحد الكبدانيين كمرشد له على الطريق، و خرجا بها ليلا، و رغم أن رجال الحراسة الاسبان « باريخا » Parega قد أوقفاهما فقد نجيا و كانا قد لفا الخماسية في جلابة تبتت على الدراجة و تمكنا من الوصول بها بسلام. و إضافة للخماسييتين فقد اشترى عبد السلام مجموعة قنابل لا فيتي و مسدسات نوبيلارغو.

كما أن عمرو أحبدو قد استطاع إيجاد من يبيع للمهاجرين السلاح. و اتصل بعبد السلام مبارك بشأن تدبير المال و كان القدر المطلوب هو 30 بسيطة و لم يستطع هذا الأخير تدبير سوى 16 بسيطة و تكلف الميلود بارباش و جلولي الهواري بتسلم السلاح على بعد 30 كلم من الناظور. غير أن هذه المهمة قد فشلت إذ أن البوليس الاسباني كان في انتظارهم و تم اعتقالهم و حكم عليهم ب 56 يوم سجنا.

كما أن أحمد الطويل مختاري من العناصر النشيطة التي لعبت دورا كبيرا في تهريب السلحة من الشمال حيث اتخد من بيت عائلته في قرية معبورة بانزياست مكزا لحفظه، و لم يقتصر تهريبه على المنطقة اليزناسية وحدها. بل لقد تعدى ذلك الى التعامل مع مقاومي المناطق الأخرى بالمغرب خاصة في الدار البيضاء، حيث أوصل لهم دفعات من السلاح حتى ألقي عليه القبض في الطريق الرابطة بين بني ادرار و وجدة و هو يحمل شحنة من السلاح إليهم.

و هناك رجال آخرون كل واحد حاول العثور على قطعة من السلاح حسب إمكانيته و كان هذا السلاح غالبا ما يشترى من مليلية أو من بعض الجنود الاسبان الذين يسرقونه من ثكناتهم أو مخازن أسلحتهم و كان يبعث به الى المقاومين حيث تنفذ به بعض العمليات الخاطفة و التي كانت رغم صغر حجمها تبث الهلع في نفوس الفرنسيين و المتعاونين معهم. غير أن ايجاد السلاح لم يقتصر البحث عنه في الشمال فقط بل لقد حاول البعض سرقته من الفرنسيين أنفسهم، فقد تسلل البعض الى منازلهم و مراكزهم لعسكرية و تمكنوا من رقة بعض السلحة. و في هذا الشأن تمكن عبد العزيز لهبيل و شعيب محمد الجزائري من دخول إحدى المراكز الفرنسية و سرقة رشاشة و 5 خراظيش، كما قام الأخوين محمد و أحمد خرباش و لخضر بوعلي من الاستيلاء على مسدسات و رباعيات من أحد المعسكرات. و العمليتين معا تم تنفيذهما بنواحي مدينة أحفير.

لقد تمكن المقاومون من العثور على طع من السلاح لتنفيذ العمليات إلا أن هذا السلاح كان في مجموعة لا يفي بالغرض و ما يفسر هذا ضعف العمليات طيلة فترة المقاومة و لم يكتب للعمل المسلح أن يأخذ طابعا أعنف و مكثفا حتى قدوم باخرة دينا و تدفق كميات لا بأس بها من السلاح و لتس تزامنت مع تاسيس جيش التحرير في فاتح أكتوبر 1955 و الذي سيوجه ابتداء من هذا التاريخ ضربات متوالية للفرنسيين لم يكن لهم مع اشتدادها إلا جمع أغراضهم و التفاوض بشأن منح الاستقلال للمغرب.

لكن هل تأخر البحث عن السلاح حتى نفي محمد الخامس؟ ألم تكن هناك محاولات سابقة عن التاريخ و استطاع الوطنيون الحصول على بعضه؟

* محاولة الحصول على السلاح قبل غشت 1953.

قبل أن يتمكن المقاومون من الحصول على كميات من السلاح حين بدا لهم واضحا أن الاستعمار لا يمكن إخراجه من البلاد إلا بواسطة السلاح. كان بعض الأفراد يتوفرون على بعض السلحة منذ سنة 1952 و قد سبقت الإشارة الى قدوم أحد الشباب مدينة الدار البيضاء، الى أبركان لاجراءات اتصالات بشأن تنظيم المقاومة المسلحة و إعداد حملة لشراء السلاح و جلبه من الشمال. بل لقد كانت بعض السلحة متوفرة و لو بكميات قليلة جدا عند بعض الشخاص قبل سنة 1952 حيث كانوا يقدمون عددا من المسدسات مشتراة خاصة من مليلية فكان المسدس الواحد يباع ب 2000 أو 3000 فرنك. و نظرا لغلاء ثمنه فقد كان يشترك في شرائه مجموعة من الأشخاص. و كان أحد أبناء المنطقة الشمالية و يدعى أحمد القلعي يأتي بالسلاح لمنطقة بني يزناسن بهدف التجارة. و الدليل على كون السلاح كان متوفرا قبل غشت 1953 أن عددا من المشاركين في ثورة 17 غشت كانت بحوزتهم بعض السلحة من مسدسات و بنادق و كانوا ينتظرون الأوامر لاستعمالها كما كان بعض الشخاص يتوفرون على بعض السلحة أمثال لمنور الجبلي الذي كانت بحوزته 7 قنابل لم يتمكن البوليس الفرنسي من العثور عليها اثناء تفتيش منزله إثر إلقاء القبض عليه عقب المظاهرة. و في يوم المظاهرة ذاته تمكن بعض الأفراد قدموا من كبدانة من إدخال صناديق التي وضعت في مزرعة أحد الفرنسيين بضواحي أبركان استعدادا للمعركة في حالة تحول المظاهرة السلمية الى أعمال عنف.

* أساليب لحفظ السلاح و نقله.

لقد تعددت طرق حفظ السلاح و نقله و تفنن حائزوه في اختراع أساليب لمداراته كل حسب تفكيره و إمكانيته. و هكذا فقد لجأ الناس الى استغلال كل محتويات البيوت التي كانت تصلح لتخبأ فيها السلحة فقد عمدوا الى حفظه بأماكن وضعت على شكل خممة الدجاج بكل المواصفات. كما استغلت سقوق المنازل و التي كانت في تلك الفترة من القصب و الألواح. و نظرا للفجوات بينهما فقد سها إدخال بعض الأسلحة فيما بينها كما شقت تلك الألواح و أدخلت وسطها بعض السلحة.

كما استغلت الاسطبلات لكونها أماكن منعزلة و لا يدخلها الناس إلا نادرا و كانت المطابخ من الأماكن التي التجأ إليها المقاومون، فكانت الأسلحة تحفظ تحت أرضية الكانون. و كان أحيانا يتم فتح حبات البطيخ و الدلاح -في ايام نضوجها- و بعد إخراج لبابها كانت تشحن ببعض الأسلحة الصغيرة الحجم التي يتسنى إدخالها كالمسدسات و الخراطيش.

و لتدرج أهل البوادي خاصة على السقي من الآبار و العيون في الأواني الفخارية، فقد تفطن المقاومون لها و أخذوا يعبؤونها بأنواع من السلاح. و قد نجحت الطريقة لتعودالناس على رؤية مشاهد تنقل الناس بالأواني الفخارية، فلم يكن أن تفتش أو يشك في حمولتها. و أيضا استعملت رباطات النعناع بعد تضخيم حجمها فكانت توضع المسدسات وسطها. و استعملت الطريقة خاصة لتنفيذ بعض الاغتيالات.

و لنقل السلاح نحو مناطق أخرى و استفادة أكبر منطقة به، عمد المقاومون أحيانا الى شحنه وسط صناديق الخضر كما هو الشأن مع شحنة أحمد الطويل في اتجاه الدار البيضاء و هذه فقط أساليب تناقلتها الألسن و مازالت الداكرة تحتفظ بطرق أخرى كاستعمال أكياس الحبوب و المطامر  و وسائل أخرى حتمتها الظرفية، و اهتدت لها بصيرة المقاومين تحت الخوف و رغبة في الاحتفاظ بالجزء السيسير من السلاح الذي لم يكن يتحمل عليه إلا بعد جهد جهيد و كان فقدان قطعة واحدة تشكل خسارة كبيرة للمقاومين.

و بعد ثورات 16 و 17 و 20 غشت التي شملت عددا من المدن المغربية و اختلفت حدتها من مكان لآخر و في جو الاعتقالات الواسعة التي انهالت بها السلطات الفرنسية على الوطنيين، و ما تزامن معها من هجرة عدد من العناصر في اتجاه الشمال "الاسباني" مستفدين من الموقف الايجابي لإسبانيا و الذي عبر عنه المندوب السامي الاسباني فالينو رغم اتسامه بمصالح استراتيجية و مطامع إقليمية، في محاولة من المهاجرين لاستغلال هذا الدعم بهدف الحصول على السلاح. و ما كان الباقون في المنطقة الفرنسية يحضرون له في الخفاء للمواجهة المسلحة و في إطار هذا الجو المشحون و المضطرب كان الجنرال كيوم يقوم بتحركات و زيارات لعدد من المناطق من بينها منطقة بني يزناسن.

 7- زيارة كيون و تهديداته للمنطقة

مباشرة بعد نفي محمد الخامس قام الجنرال كيوم بزيارات لمختلف أقاليم المغرب لتفسير سياسته الجديدة و لتهدئة الأوضاع، و قد اتجه خاصة نحو المناطق التي يكثر فيها المعمرون الفرنسيون كمكناس و وجدة و الدار البيضاء. « و حظيت » منطقة بني يزناسن بزيارته بتمهيد من مراقب الناحية رامونة الذي هيأ له عدد من القواد المغربة لاستقباله و من ضمنهم ابن الحاج المكي اليعقوبي و ابن ميمون الحليث و الادريسي عزوز و القاضي العتابي إضافة لبعض المعمرين النشيطين كمورلو و جوزيف شقرون.

و عمد القواد بايعاز من سطات الحماية بدورهم على اتقطاب الناس لاستقبال كيوم حيث أمروا الناس للتهيء لذلك اليوم و فرضوا عليهم ارتداء الملابس البيضاء الأنيقة. إلا أن الناس لم ينصاعوا لتلك الأوامر بل لقد اتفقوا على لبس أفقر الثياب، ليقابلهم القواد في اليوم المححد متوعدين و مهددين فكان جواب الناس: "هلا أعطيتمونا شيئا فرفضنا" و كان من بين القواد الذين ازبدوا و أرعدوا في ذلك اليوم القائد محمد التميمي.

و خطب كيوم في الحاضرين و من جملة ما جاء في خطابه: إعطاء ضمانات عن مستقبل دوام الوجود الفرنسي بالمغرب، و قيام الجيوش الفرنسية قريبا بعمليات عسكرية تدريبية في شمال أبركان و كان اختيار المنطقة لهذه المناورات العسكرية سياسيا بالدرجة الأولى جاء بعد الأحداث الدامية التي وقعت يوم 16 غشت بوجدة و تهديدات قبائل بني يزناسن بالقيام بتحركات و هجومات ضد الفرنسيين. و كانت رغبة فرنسا من إجراء هذه التداريب التي اختارت لها 35000 جندي و اسراب من الطائرات و عمليات إطلاق النار إحداث تأثير نفسي على السكان الذين كانت تسميهم "الرعاع الشرسين العائمين في القبائل المغربية »

لقد تمكن المهاجرون من إرسال دفعات من السلاح رغم قتلها و بدأت الأوامر تصل من الشمال داعية المقاومين للتحرك و توجيه ضربات ضد الفرنسيين و الخونة ليبدأ العمل الفدائي. فانطلقت المقاومة على شكل عمليات مسلحة ينفذها الأفراد و اشتملت على إلقاء القنابل اليدوية و إطلاق الرصاص على الونة و المتعاونين. و قام بهذه العمليات عناصر من الفدائيين كانوا على صلة وثيقة بحزب الاستقلال فمثل هذا العمل مرحلة أولية في كفاح المغرب ضد الاستعمار و كان علال بن عبد الله أول من أعطى الانطلاقة لهذا العمل.

و بدأت بني يزناسن عدة عمليات لكنها كانت في مجموعها ضعيفة. حيث كان ينقص السلاح و تقل الخبرة لدى الفدائيين لكن ذلك لم يمنع من تحقيق بعض العلميات و إقلاق راحة المستعمر الذي زاد من ترسانته الحربية و عدد أفراد جيشه. فقد وقعت إغتيالات و عميات في المقاهي و الدور و الحانات، و هجومات على مزارع و ضيعات المعمرين و كانت إتلافات و حرائق متعددة . و من جملة العمليات التي نفدت في فترة المقاومة.

* اغتيال في أبركان

لقد تمت عملية اغتيال الفرنسية Pollette cherdevin و أحد الفرنسين من طرف أحد الفدائيين بالشارع الرئيسي خلال النف الأول من سنة 1954 كما اغتيل يهودي. و اتهم بشأن اغتيال الفرنسيين بومدين السكليست الذي اعتقل و عذب كثيرا في مخر الشرطة حتى استشهد في لمستشفى متأثرا بجروحه.

* عملية ضد مقهى البيضاء في أبركان

كان المهاجرون يرسلون للمقاومين بهدف الدعوة لهم للقيام بعمليات سريعة و من جملة من اتصل بهم خلية كان ضمنها عبد القادر الراشدي و وقع اختيار الجماعة على المقهى البيضاء بسبب التجمعات الكبيرة التي كانت بها تعقد و تردد الفرنسيين عليها.

 و استمرت عملية اكتشاف الأجواء مدة طويلة حيث كان من سوء حظ الجماعة أنها في كل مرة كانت تجد الفرنسيين متفرقين حتى يوم 27 رمضان -أي بعد حوالي 9 أشهر من نفي محمد الخامس- فانطلق ثلاثة أفراد و كان بحوزة كل فرد بندقية إضافية لقنابل كانت مع عبد القادر الراشدي. و بدأ إطلاق النار غير أن المقهى كانت شبه فارغة و لم يسفر الهجوم سوى على مقتل يهودي و جرح مغربين و أربعة إسبان فقد كان سوء التخطيط و الرغبة في ضرب العدو بسرعة سببا في فشل هذه لمحاولة رغم أن الهدف المختار كان من الممكن أن يسقط فيه عدد أكبر من الضحايا و خسائر أكبر. إلا أنه في الوقت الذي هجم فيه الفدائيون كان الفرنسيون في وقت اصرافهم.

لم استطع أن أتحصل إلا على هاتين العمليتن اللتان نفدتا في أبركان. و كل الذين استجوبتهم حول الحوادث التي شهدتها فترة المقاومة كانوا يكتفون فقط بذكر قيامهم بالحرائق و قطه أسلاك الهاتف و محاولة سرقة الأسلحة و تنفيذ بعض الاغتيالات. لكن دون الاشارة الى تاريخ وقوعها أو بالأحرى أماكنها و أسماء المغتالين و أصحاب المزارع المحروقة. في حين أن العمليات المنظمة و التي كانت مع بداية تأسيس جيش التحرير في فاتح أكتوبر من سنة 1955 فقد بقي أعضاء هذا الجيش يحتفظون بالعديد من الذكريات حول عدد من الهجومات و الحرائق و الاغتيالات.

كل العمليات التي نفدت خلال فترة المقاومة كانت تحت إشراف القيادة الأولى للمقاومة التي تأسست في نهاية 1953 حيث فر عدد من الرجال الى تطوان و عقدوا اجتماعات متتالية مع أحمد زياد انتهت بتأسيس القيادة الأولى في الناظور و حددت لها مهام تأسيس الخلايا و تزويدها بالسلاح و توجيه نشاطها. و وزعت المسؤوليات على عدد من أبناء المنطقة اليزناسنية الذين عملوا على تنظيم الصفوف بالمنطقة و إعطاء التوجيهات و كان من بينهم :

- بنعبد الله رابح: مساعد مكلف بالضفة لتهريب المهاجرين و تأسيس الخلايا ببني يزناسن.

- الصباني محمد: مساعد مكلف بالمهاجرين في زايو  و قام بتنظيم الخلايا بأبركان.

الرحماني ميمون غورضو: مساعد مكلف بمناطق بني يزناسن في خلق الخلايا.

أحمد الطويل مختاري: مساعد مكلف بالسلحة و خلق الخلايا حيث يعود له الفضل في تاسيس الخلايا بوجدة و أبركان و كل الإقليم.

كان مقر رجال القيادة في الشمال بالناظور و زايو و عمل البعض الاخر في تطوان حيث كانوا على اتصالات مستمرة بعبد الخالق الطريس. أما المقاومون فقد كان عملهم يقتضي أحيانا أن تكون لهم مراكز للإقامة و الاختفاء و كذا لاحراء تداريبهم على السلاح.

* مراكز المقاومين.

في بداية الأمر لم يتخذ المقاومون مراكز ثابتة للاستقرار بها و عقد الاجتماعات. فقد عملوا طيلة فترة المقاومة بحذر. و كانوا ينتقلون من مكان لآخر إيهاما للعدو و عملائه، و عقدوا اجتماعاتهم تحت حراسة مشددة. و لم تكن تلك الاجتماعات تضم إلا من أثبت وطنيته و استعداده للتضحية خاصة حين كانت فرنسا قد لجأت الى تعبئة القواد و الأتباع الذين قاموا بدورهم بتعبئة أهلهم و ذويهم لمراقبة تحركات المقاومين. و عمدت الادارة الاستعمارية الى حيلة جهنمية و ذلك بتكليف بعض ثقاتها من المغاربة بالتسرب داخل كيان المقاومة و التظاهر بكونهم مقاومين. و لهذا السبب كانت تتخذ الاحتياطات المكثفة أثناء الاجتماعات.

و لبث المقاومون طيلة فترة المقاومة يختارون مراكز للاجتماع كانت في غالبيتها بالبوادي و الأماكن المعزولة التي لم تكم تشملها المراقبة المستمرة. و كانت الاجتماعات تتم دون تأطير من حزب الاستقلال الذي كان قد حل منذ زمن الى جانب كون الفرنسيين كانوا قد منعوا القيام بأي نشاط حزبي بعد ثورة 17 غشت و ما تلاها من حوادث و كان مصير مؤسسي  اليد السوداء - و هي منظمة سرية كانت تتألف من خمسة أفراد في كل خلية و كل خلية لا تعلم بالأخرى و لا تعلم بعمل أختها لكن سرعان ما انكشف أمرها بعد مدة يسيرة من تأسيسها الذي تم بعد ثورة غشت -إلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم.

    غير أنه رغم منع التجمعات قام أعضاء المقاومة بتعيين مراكز خاصة ودور رسمية في تافغالت بني وكلان ، أحفير والركادة ، وكان بأغلب المراكز في البوادي مطامر يندس فيها الفدائيون عند مرورهم أو بعد القيام بواجبهم في المدن والقرى . وبقيت دور المقاومون مراكز للمقاومة ، ولم يتم التفكير في خلق مراكز رسمية إلا بعد تصاعد العمليات المسلحة. واستغل المقاومون مجموعة من الكهوف والمغارات التي كانت تتواجد بالجبال كمراكز للإقامة ومن هذه الكهوف والمغارات التي كانت تتواجد بنواحي وادي زكزل . وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه المغارات قد استغلتها فرنسا أيضا لأغراضها الخاصة فنظرا لعدم توفر سجن كاف بتافوغالت ، استغلت الكهوف المجاورة كسجون والتي كانت تستعملها مخازن للذخيرة الحربية ولم تكن بها منافذ للضوء مما أدى إلى إصابة عدد من نزلاءها  بأمراض العيون ، وعرفت هذه الكهوف بأسماء حراسها مثل : كهف مولاي علي ، مطمورة بوحوت وغار الفخ . ومن الذين عاشوا في هذه الكهوف عبد القادر مختاري الذي عذب كثيرا وكانوا يأخذونه بالليل للمستشفى ويرجع بالنهار حيث يستمر التعذيب وحين إطلاق سراحه ولكثرة الجروح في جسد وخاصة في وجهه لم يتمكن معارفه من التعرف عليه.

أما مراكز التداريب ففي الأول حين لم تكن الجماعات الفدائية تتوفر إلاعلى بعض الأسلحة الخفيفة كانت التداريب تتم في دور المقاومين أنفسهم وكان مقاوموا أبركان كثيرا ما يتدربون في الولي الصالح سيدي علي بن يخلف. وفي الضفة الأخرى كانت التداريب في مركز بيجو حيث كان ميمون غورضو يدرب الأفراد على حرب العصابات ونفس الشيء كان يقوم به بن عبد الله الوكوتي وكان المتدربون يتسللون الى منطقة بني يزناسن ويقومون بتنفيذ عملياتهم ثم يعودون. وكان هذا قبل أن يتخذوا مراكز في الجبال والتي استمر رجال جيش التحرير يعودون إليها ولم يكونوا مضطرين للعبور نحو المنطقة الشمالية وذلك بعد أن توصلوا بشحنات مهمة من السلاح في أوائل شهر مارس 1955.

Suite